أخبار عاجلة

المهدية:النسيج اليدوي… مهدّد بالاندثار

النّسيج اليدوي.. هذه الحرفة التي توارثها الأبناء عن الأجداد في عاصمة الفاطميين تحاول الصّمود في وجه متغيّرات الزمن، و”كساد” السّوق، وارتفاع أسعار المواد الأوليّة.. فهل تنجو من الاندثار في ظل الحوافز، والتشجيعات المقدّمة لإنعاش القطاع؟
في الأركان القصيّة، والأزقة الضيّقة بمدينة المهدية العتيقة تعترضك محلاّت النسيج اليدوي منتصبة هنا، وهناك مُشرعة أبوابها في انتظار حرفاء حافظوا على عادات الأجداد.. عارضة منتوجات منسوجة من الحرير، والصّوف متنوعة الأشكال، والألوان.. “الرّداء”، “الحزام”، “الفوطة”، “الكشف”، “الوشاح”… علّها تبقى شاهدة على الأصالة، والعراقة، والإرث الضارب في القدم.
توفيق مالك نسّاج تعلّم “صنعة اليدين” على والده منذ سنة 1982.. كان منهمكا في عمله لمّا استقبلنا في محلّه مرحّبا، ومتحسّرا على أيام مضت كانت فيها هذه الحرفة مزدهرة ضاجّة بالحركيّة، والنشاط قائلا: النسّاج اليدوي مهنة أصبحت مهدّدة بالاندثار اليوم بسبب المشاكل المتراكمة في هذا القطاع لعلّ من أبرزها ارتفاع أسعار المواد الأوليّة بنسبة قاربت الضّعف وهو ما ساهم في صعود أسعار المنسوجات التقليدية (جهاز العروسة) التي أصبح ثمنها يتراوح بين 500 دينار وألفي دينار حسب طلب الحريف في مقابل تراجع أعداد الحرفاء، وعزوف الشباب خاصة عن تعلّم “الصّنعة”، وغياب هذا الاختصاص في مراكز التكوين.
وأضاف توفيق إذا ما تواصل هذا العجز عن إيجاد الحلول لهذه المشاكل قد لا نجد بعد سنوات حرفيّين يحافظون على هذه المهنة التي توارثناها عن الأجداد، مشيرا إلى أنه هو ذاته لم يعد راغبا في أن يتعلم أبناؤه “صنعة” تحتضر فما بالك بالآخرين.
ارتفاع أسعار المواد الأوليّة
ومن جانبه أكد الحرفي الهادي اسماعيل الذي أمضى في المهنة أكثر من ثلاثين سنة أن أكبر مشكلة في قطاع النسيج اليدوي تتمثل في صعوبة الحصول على المواد الأولية خاصة من الحرير بسبب غياب الإطار القانوني المنظم لتوزيعها، وبيعها بعد اندثار مؤسسة “سوكوبا” التابعة للدولة التي لعبت وفق تعبيره دورا مهما سابقا في تنظيم توزيع المواد الأوليّة وهو ما أدّى إلى انتشار “المضاربة”، وازدهار “السوق السوداء”.
وبيّن الهادي أن صاحب محلّ النسيج اليدوي أصبح مضطرّا لاقتناء المواد الأوليّة رغم ارتفاع أسعارها المشطّ، وتغيّر المزوّدين من أجل الإيفاء بتعهداته تجاه حرفائه، وللحفاظ على اسمه في السوق.. مردّدا أن نسج مختلف قطع الألبسة التقليدية من الحرير الطبيعي كـ”الرّداء الأحمر”، و”الرّداء الفضة”، و”الحزام”، و”الكشف”، و”الفوطة” تتطلب الموهبة، وخاصة “الغرام” فهي ليست مجرد تجارة بل هي فنّ أولا، وأخيرا.
أما يوسف الجمعاوي الذي تعلّم فنون، وأسرار مهنة النسيج اليدوي على امتداد أكثر من ثلاثة عقود فقد وجدناه جالسا على عتبة الباب الرئيسي لدار الحرفي وسط المدينة العتيقة يدخّن سيجارة في محاولة “لقتل الوقت”، وكسر روتين “الكساد” الذي اجتاح هذه البناية التاريخية الجميلة قبل أن يشير لنا بالدخول قائلا إن “دار الحرفي”، أو “دار الصوف” كما تُعرف قلّت فيها الحركة، وهجرها الزوّار، والسيّاح في السنوات الأخيرة وهي على ملك البلدية و تتكوّن من عدة محلات بعضها يعمل، وبعضها الآخر اضطرّ إلى غلق أبوابه لأسباب مختلفة.
واتفق يوسف مع زميليه على أن ارتفاع أسعار المواد الأوليّة هي المشكلة الأبرز التي تواجه الناشطين في هذا القطاع، حيث كان ثمن “بكرة” الحرير لا يتجاوز 70 دينارا ليصبح ثمنها اليوم أكثر من 150 دينارا، أما “بكرة” الفضة فقد قفز ثمنها من 11 دينارا إلى حوالي 70 دينارا هذا إن وُجدت أصلا، معرّجا على حالة الإهمال التي تعاني منها هذه الدار، وتراجع أعداد الحرفاء خاصة من السيّاح الأجانب بسبب توجيههم من قبل “البزناسة” إلى أماكن أخرى مما ساهم في تدنّي مداخيلهم رغم أثمان منتوجاتهم الزهيدة من الأوشحة المنسوجة يدويّا من القطن، والصوف، والحرير، و”القمراية” والتي تتراوح بين 15 دينارا، و30 دينارا كحدّ أقصى.
وطالب يوسف الجهات المسؤولة بتشجيع الناشطين في هذه المهنة عبر إسناد قروض صغيرة بشروط ميسّرة، وتوفير أجنحة للحرفيين في المعارض الوطنية، والدولية بأسعار مناسبة للتعريف بمنتوجاتهم، والحدّ من غزو السلع الصينية المقلّدة التي اجتاحت الأسواق، وإعلاء قيمة المنتوجات التونسية ذات المواصفات، والجودة العالية حفاظا على إرثنا الحضاري، وخدمة لاقتصادنا الوطني.
تشجيعات وحوافز
ومن جهتها قالت لطيفة لطيف المندوب الجهوي للصناعات التقليدية بالمهدية إن المواد الأوليّة المستعملة في النسيج اليدوي متوفّرة في السوق بالكميات المطلوبة سواء عبر المسالك القانونية، أو حتى غير المراقبة التي يتم جلبها من القطر الجزائري، مشيرة إلى أن هذه المواد تتمتع بامتيازات جبائية من قبل الدولة، حيث لا تخضع إلا إلى نسبة 6 بالمائة في شكل معاليم ديوانية فقط. أما في ما يخص بقية التشجيعات التي يوفرها الديوان الوطني للصناعات التقليدية فهي متعددة يمكن أن نذكر منها تنظيم المعارض الجهوية، والوطنية، والدولية على غرار المعرض الوطني للزربية بقصر المعارض بالكرم (11 عارضا في النسيج اليدوي من جهة المهدية)، ومهرجان دوز الدولي، ومهرجان توزر، وغيرها إلى جانب تشجيع الباعثين الشبان عبر منحهم أجنحة مجانية في صالون الابتكار في الصناعات التقليدية.
وأوضحت اللطيف أنه بالتوازي مع ما سبق فإن المندوبية تنظم عددا من الدورات التكوينية للحرفيين في اختصاصات التسويق، والتصميم، والابتكار، والتسويق الرقمي، والمنظومات الإعلامية آخرها تلك التي ستلتئم خلال شهر ديسمبر الجاري بالاشتراك مع المنظمة الألمانية للتعاون الفني، ووزارة التكوين والتشغيل بهدف تطوير قطاع نسيج الحرير، و”الطريزة””.

أرقام ودلالات

200
عدد الحرفييّن في النسيج اليدوي (الحرير والقطن) في ولاية المهدية.
40
عدد المحلاّت التي تشتغل في النسيج اليدوي التقليدي.
2,350
مليون دينار الكلفة الجملية لتشييد القرية الحرفيّة بالمهدية.

شاهد أيضاً

المهدية : الإحتفاظ بتكفيري مُفتش عنه

قامت دورية تابعة للوحدات الإستعلاماتية بمنطقة  الحرس الوطني بالمهدية بالقبض على شخص صادر في شأنه  …