أخبار عاجلة

ما هي مبطلات الصيام في شهر رمضان

أركان الصيام

من الجدير بالذكر أنّ للعبادة شروطاً، وأركاناً لا تصحّ إلّا بها، كما أنّ هناك ثمّة مبطلاتٍ ومُفسداتٍ إذا أتى بها المسلم أبطلت العبادة، وأفسدتها،[١] ويُعَدّ الصيام عبادةً من العبادات، وهو يتحقّق بتحقُّق رُكنَين أساسيّين، بيانهما آتياً:

الرُّكن الأوّل: النيّة، ومَحلّها القلب؛ وهي اعتقاد القلب، وعَزْمه على فِعل الشيء، وممّا يدلّ على أنّ النيّة رُكنٌ لصحّة الصيام، ما رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (من لم يبيِّتِ الصِّيامَ قبلَ الفَجرِ، فلا صيامَ لَهُ)،[٣] وثَمّة ما يدلّ على أنّ النيّة رُكن صحّةٍ لكلّ العبادات، ومنها الصيام، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى).[٤]

الرُّكن الثاني: الإمساك عن سائر المُفطرات، كالطعام، والشراب، والجماع، من طلوع الفجر، إلى غروب الشمس؛ قال الله -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)،[٥] وقد بيّن أهل العلم أنّ المقصود بالخيط الأبيض: بياض النهار، أمّا الخيط الأسود، فهو: سواد الليل.

مُبطلات الصيام

مبطلات الصيام المُتَّفق عليها اتّفق العلماء على عدّةٍ أعمالٍ يبطل الصيام بإتيانها، بيانها وتفصيلها آتياً: الجماع: اتّفق العلماء على أنّ الجماع في نهار رمضان يُبطل الصيام؛ لقول الله -تعالى-: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ)،[٦] وما رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- بما أخرجه الإمام البخاريّ، إذ قال: (بيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: ما لَكَ؟ قَالَ: وقَعْتُ علَى امْرَأَتي وأَنَا صَائِمٌ).[٧][٨] الاستقاءة: وتُعرَّف الاستقاءة بأنّها: التكلُّف في القيء؛ بتعمُّد إخراج ما في الجوف، وقد ذهب جمهور العلماء من المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة إلى أنّ الاستقاءة مُبطلةٌ للصيام في رمضان، ويتوجّب القضاء بسببها، واستدلّوا على قولهم بما رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، أنّه قال: (مَنْ ذرعَهُ القيءُ فليس عليه قضاءٌ، ومنِ استقاء عمدًا فلْيقضِ)،[٩] أمّا الحنفيّة ففصّلوا في بطلان الصيام بالاستقاءة، ووجوب القضاء بسببها؛ إذ اشترطوا أن يكون الصائم عامداً للقيء، ومُتذكِّراً الصيام، وأن يكون القيء ملء الفم، أو أكثر.[١٠] الأكل أو الشُّرب عمداً: اتّفق أهل العلم على أنّ تعمُّد الأكل أو الشُّرب في نهار رمضان من مُبطلات الصيام، ويأثم فاعله، ويجب عليه إمساك بقيّة يومه، والقضاء، دون وجوب الكفّارة عليه، أمّا الأكل أو الشُّرب في نهار رمضان سهواً من غير قصدٍ، فلا يُبطل الصيام، ولا يُوجب القضاء، ولا الكفّارة؛ لِما رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، أنّه قال: (مَن نَسِيَ وَهو صَائِمٌ، فأكَلَ، أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فإنَّما أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ)،[١١] وعلى الرغم من أنّ الأكل أو الشُّرب سهواً لا يُعَدّ من مُبطلات الصيام، إلّا أنّه يجب على مَن رأى شخصاً يأكل أو يشرب ناسياً في نهار رمضان أن يذكّره وينبّهه أنّه صائمٌ؛ وذلك من باب التعاون على البِرّ والتقوى، أمّا إن ابتلع الصائم ما بين أسنانه من الطعام العالق غير مُتعمّدٍ، وكان الطعام قليلاً يجري مع الريق، فلا يبطل صيامه بذلك، ومن الجدير بالذكر أنّ تعمُّد ابتلاع ما لا يُؤكَل عادةً، كالمعادن، والعُملات، والخيوط، يُعَدّ من المُفطرات بإجماع المذاهب الأربعة؛ إذ نقل الإمام النوويّ -رحمه الله- في كتاب المجموع عن الإمام الشافعيّ أنّه قال: “إذا ابتلع الصائم ما لا يُؤكل في العادة؛ كدرهمٍ، أو دينارٍ، أو ترابٍ، أو حصاةٍ، أو حديدٍ، أو حشيشٍ، أو خيطٍ؛ أفطر بلا خلافٍ عندنا، وبه قال أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، وداود، وجمهور العلماء من السلف والخلف”،[١٢] وممّا يُفسد الصيام في رمضان ما كان في معنى الأكل أو الشرب، كالإِبر المُغذِّية؛ إذ إنّها تقوم مقام الأكل والشُّرب، وتسدّ عنهما؛ ولذلك فإنّ حكمها كحُكم الأكل أو الشُّرب، أمّا الإبر غير المُغذّية، فلا تُبطل الصيام؛ سواءً أُخِذت في العضلات، أو عن طريق الوريد؛ لأنّها لا تسدّ عن الأكل والشُّرب، ولا تقوم مقامهما، فلا ينطبق عليها حُكم الأكل والشُّرب.[١] دخول شيءٍ إلى الجوف من مَنفذٍ مفتوحٍ: عرّف أهل اللغة الجوف لغةً بالعديد من التعريفات، منها: الواسع من الشيء، والخلاء، وبطن الإنسان، ومنها: الأجوفان، وهما: البطن، والفرج، أمّا اصطلاحاً، فقد عرّف العلماء الجوف بأنّه: كلّ فارغٍ يقبل الشغل والامتلاء، ويُستفاد ممّا سبق أنّ الفقهاء واللغويّين لم يختلفوا في مفهوم الجوف، وقد عدّ أئمّة المذاهب الأربعة المَعِدة من الجوف، وذهب جمهور أهل العلم إلى أنّ الدماغ من الجوف، وخالفهم المالكيّة، واتّفق كلٌّ من الشافعيّة، والحنابلة، والمالكيّة، دون الحنفيّة على أنّ مُجمَل الحلق من الجوف مع اختلافهم في التفصيل، ومن الجدير بالذكر أنّ دخول أيّ شيءٍ إلى الجوف يُعَدّ سبباً لفساد الصيام باتّفاق المذاهب الأربعة؛ واستدلّوا على ذلك بما ورد في الأثر عن عددٍ من الصحابة -رضي الله عنهم-، ومنهم: ابن عباس -رضي الله عنه-، وعليّ بن أبي طالب -كرّم الله وجهه-؛ إذ قالوا: “الفطر ممّا دخل، وليس ممّا خرج”.[١٣] الحيض والنفاس والولادة: وهي من مُبطلات الصيام الخاصّة بالنساء؛ فدم الحيض أو النفاس يُبطل الصيام وإن كان نزوله قبل غروب الشمس بلحظاتٍ، ويجب عليها الإفطار، والقضاء بعد الطُّهر، ولا حرج عليها في ذلك، ولا إثم، لا سيّما أنّ الأمر خارجٌ عن إرادتها، وقد استدلّ أهل العلم على فساد صيام الحائض والنّفساء بما رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (ما بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، ولَا تَقْضِي الصَّلَاةَ. فَقالَتْ: أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ؟ قُلتُ: لَسْتُ بحَرُورِيَّةٍ، ولَكِنِّي أسْأَلُ. قالَتْ: كانَ يُصِيبُنَا ذلكَ، فَنُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّوْمِ، ولَا نُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّلَاةِ).[١٤][١٥] الرِدّة: تُعرَّف الردّة لغةً بأنّها: الرجوع عن الشيء، أمّا شرعاً فتُعرَّف بأنّها: رجوع المُسلم عن دِينه،[١٦] وقد أجمع أهل العلم على أنّ الردّة عن الإسلام تُبطل الصيام.

مُبطلات الصيام المُختلَف فيها

اختلف العلماء في بعض مُبطلات الصيام؛ باعتبارها من المُبطلات، أم لا، وتفصيل ذلك فيما يأتي: الإغماء:أجمع العلماء على أنّ الإغماء يُبطل الصيام، ويُوجِب القضاء، وخالفهم الإمام الحسن البصريّ؛ إذ ذهب إلى عدم وجوب القضاء على المُكلّف في حال الإغماء؛ لأنّ زوال العقل بسبب الإغماء يمنع وجوب الأداء، ووجوب القضاء يُبنى على وجوب الأداء.[١٨] الجنون: أجمع أهل العلم على عدم وجوب الصيام على المجنون، وبُطلان صيامه، كما ورد في مجموع الفتاوى لابن تيمية -رحمه الله-: “وأمّا المجنون الذي رُفع عنه القلم؛ فلا يصحّ شيء من عبادته، باتّفاق العلماء”، ونقل الإجماع أيضاً الإمام النوويّ في كتابه المجموع، إذ قال: “المجنون لا يلزمه الصوم في الحال بالإجماع، للحديث والإجماع”، بالإضافة إلى الحديث الذي رُوي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، إذ قال: (يا أميرَ المؤمنين، أما علِمتَ أنَّ القلمَ قد رُفِع عن ثلاثةٍ؛ عن المجنونِ حتَّى يبرأَ، وعن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يعقِلَ)،[١٩] وهذا في حال كان الجنون مُلازماً مُطبِقاً، أمّا إن كان الجنون مُؤقّتاً، وأفاق المُكلَّف في جميع نهار رمضان، وجب عليه الصيام، وتجدر الإشارة إلى اختلاف أهل العلم في صحّة صيام المُكلّف الذي شرعَ في الصيام، ثمّ طرأ عليه الجنون؛ فقد ذهب المالكيّة، والشافعيّة إلى بطلان الصيام بالجنون الطارئ؛ قياساً على بطلان صيام المرأة بسبب الحيض، وكلاهما عارضٌ يُفسد الصيام، كما قال الإمام الشافعيّ -رحمه الله-: “إذا وُجد الجنون في جزء من النهار أفسد الصوم؛ لأنّه معنى يمنع الوجوب، فأفسده وجوده في بعضه كالحيض”، وخالفهم الحنابلة؛ إذ قالوا بعدم فساد صيام المُكلّف بسبب الجنون الطارئ الذي لا يبقى طوال النهار، ولم يأخذوا بقياس الجنون بالحيض، واعتبروه قياساً فاسداً؛ لوجود اختلافٍ عظيمٍ بين الجنون والحيض، لا سيّما أنّ الحيض لا يمنع وجوب الصيام؛ إذ يجب على الحائض قضاء ما أفطرته، أمّا المجنون فلا يجب عليه قضاء ما فاته من الصيام بسبب الجنون، وبيّنوا أنّ أقرب ما يُمكن قياس الجنون الطارئ به هو الإغماء، والمُغمى عليه لا يبطل صيامه في حال كان الإغماء في جزءٍ من النهار؛ ولذلك قالوا بصحّة صيام من طرأ عليه الجنون جزءاً من النهار،[٢٠] ووافقهم الحنفيّة بعدم فساد الصيام بسبب الجنون الطارئ.[٢١] الحُجامة: اختلف العلماء في فساد الصيام بسبب الحُجامة؛ فقد قال كلٌّ من الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة بعدم بطلان الصيام بسبب الحُجامة، مع اختلافهم في حُكم الحُجامة للصائم؛ إذ ذهب الحنفيّة إلى جوازها إن كانت لا تُضعف الصائم، وكراهتها في حال كانت تُضعفه، أمّا المالكيّة فذهبوا إلى حُرمة الحُجامة للصائم إن غَلِبَ على ظنّه أنّها ستُضعفه، ولن يتمكّن من مواصلة الصيام بسببها، وخالفهم الحنابلة الذين قالوا ببُطلان الصيام بسبب الحُجامة، كما قال ابن قدامة -رحمه الله-: “الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم”.

التعليقات

التعليقات

شاهد أيضاً

الاحتفاظ بشخص من أجل مسك واستهلاك وترويج مادة مخدرة

في إطار التصدي لجميع مظاهر الجريمة وخاصة منها ظاهرة استهلاك وترويج المواد المخدرة وعلى إثر …